يقبلون بكل حماسة عندما تمسك الأم ملعقة الطهي لتبدأ به، ترتدي معطف الطهي، تربط على شعرها بمنديلها الناعم، وربما تشغل موسيقى هادئة أو حماسية، أي مما يروق لمزاجها في وقت الطهي ذاك.
كثير هم الأطفال الذين يشتاقون للعمل مع والدتهم في المطبخ .. وربما العمل مع والديهم كلاهما .. بالفعل تعم الفوضى أحياناً، إلا ان وجودهم مع قدوتهم في مكان الطهي يعتبر تعليماً وتهذيباً وسعادة لهم في ذات الوقت، وما عليك سوى الاستمتاع بحماستهم تلك لا منعها وكبتها ، لأنك من خلالها سوف تعلميهم أموراً شتى و ستسعدين وتسعدين بها صغارك.
بعض الأمهات أو ربما الأخوات الكبار يرفضون هذا التصرف من الصغار وبشدة، برؤيتهم أنهم مزعجون ومربكون في مكان يعم بالمخاطر لهم، إلا أن ذلك قد يساعد في تعليمهم وتربيتهم على أمور كثيرة قد لا تخص الطهي وحسب، بل تتعدى إلى أمور أخرى، كآداب الطعام واحترام الوقت، وتحمل المسؤولية ، وفنون الأتيكيت، والصبر، والهدوء، وبعضاً من قواعد السلامة، هذا غير ما ينمو في أنفسهم من محبة تربطهم مع والدتهم عندما تقابل حماستهم بابتسامة وقبول لما يحبون، وربما هذا الوقت الذي تقضيه الأمهات (العاملات تحديداً) مع أطفالها في المطبخ قد يوفر لها متسعاً كبيراً من الوقت اللازم للعائلة والذي يعتبر حقاً لهم عليها.
ابتسامة من شفاهك كافية لإسعادهم واستعدادهم لطاعتك في هذا المعمل المنزلي، علميهم قبل كل شيء قواعد السلامة، وأن يبتعدوا عن الفرن في حال سخونته الشديدة، وكيف يتصرفون في حال وقوع بعض الحوادث (لاسمح الله) فربما ذلك يفيدهم في إنقاذ حياتهم في مواقف كثيرة ليست بالحسبان، وتذكري أن استغلال شغفهم في تعليمهم أموراً هامة أبقى أثراً من إجبارهم على هذا التعلم، فلا تمتنعي عن ذلك بحجة صغر سنهم.
أما عن استخدام أدوات الطهي، فأبعدي عنهم السكاكين الكبيرة، أما الصغيرة منها فاحرصي أن تعلميهم على استخدامها بشكل صحيح غير مؤذ لهم ولا لمن حولهم، وذلك للأطفال في سن الثامنة ومافوق، علميهم بألا تستخدم للعب أو للمزاح، وعلى الطريقة الصحيحة لمسك السكاكين عند استخدامها أو عند تناقلها من مكان إلى آخر، وأنه يتوجب عليهم الهدوء أثناء المشي عند حمل السكين، وألا تكون رأس السكين موجهة إلى الأمام أو لجهة حاملها، خشية الاصطدام بأي عائق، أو ظهور أحدهم أمامه فجأة، فقد يتسبب ذلك في خدشه أو بجرح عميق لا سمح الله من غير قصد.
ومن الأفضل والأكثر أماناً لك ولهم أن تجنبيهم السكاكين قدر الإمكان، خشية استخدامها بشكل خاطئ في حال عدم تواجد أي شخص بالغ معهم.
يجب عليك أن تراعي عدم طهي الأكلات التي تحتاجين فيها إلى أدوات حادة كثيرة أثناء دخولهم مطبخك لمشاركتك الطهي، فاكتفي مثلاً بإشراكهم معك في صنع الكعك والحلوى، وخاصة أمور التزيين، فدعيهم يبدعون بفنهم في تزيين الحلويات والكعك ولا تحرميهم من ذلك، فقط علميهم واستمتعي معهم.
كوني معهم في المطبخ كقدوة وصديقة، ولا ترفضي مشاركتهم أفكارهم في الطهي، فعندما يبدي أحدهم لك رغبته الشديدة في طهي نوع من الحلويات، فجربي واختاري ما اختاره تشجيعاً له وزيادة لثقته بنفسه، واجعليه هو المسؤول عن الطهي مع وجودك معه وحوله، واحذري أشد الحذر أن تغفلي عنه أو تتركيه لوحده في المطبخ، فلا يزال الأطفال بحاجة إلى مرشد ومراقب ولو عن بعد خوفاً عليهم، فالقصد هنا التعليم والإرشاد لا الطهي بحد ذاته.
أثناء العمل معهم، تجنبي الصراخ، تجنبي التوجيه المباشر أو العتاب الشديد، عامليهم برفق، فلا يزالون صغاراً في مكان يحتاج إلى رقابة عليهم، فمن البديهي أن تري منهم تصرفات تزعجك وقد يريدون بها مفاجأتك وإرضائك، فكوني حليمة معهم، ووجهيهم بأرق العبارات وألطفها وتخيري منها ما يقربهم منك لا ما يبعدهم عنك.
بعد الانتهاء من العمل ، اثني عليهم واشكري لهم حسن صنيعهم، وتذكري أن تمتدحي ما فعلوه عند من يحترمونه ويحبونه، فعندما يتذوقه والدهم اخبريه أمامهم أنهم من صنعوه، ثم اتركيهم يتفاخرون بعملهم.
لا تتركي الأطفال يدخلون للمطبخ دون رقابة، خوفاً من المشاجرات الحاصلة فيه، أو اللعب والمزاح، والذي قد يسبب إضراراً بأحدهم من الآخر، لعدم استيعابهم مدى خطورة بعض الأدوات فيه.
إن إشراك طفلك في كثير من شؤون حياتك – وليس في المطبخ وحسب – من شأنه أن ينمي قدراته، ويحفز فيه مواهبه ،وينمي حب عائلته في جوف قلبه، و يجب عليك أن تثقي تمام الثقة أنه بمجرد إقباله إليك ليشاركك العمل في أي أمر، فذلك يعني وجود رغبة جامحة في نفسه للعمل والنشاط، فأولى بها أن تكون فيما ينفعه، خيراً من أن تكون في غير ذلك، كأنشغاله في تدمير حاجيات المنزل وغيرها، فاحذري أن تهملي هذا الجانب من طفلك.